هدانى الله بفضل قناة الفتح والشياطين تطاردنى


كتبت هذه الرسالة فتاة من الله عليها بالتوبة بعد ان كانت فى قوافل المذنبين فكتبت تقول:

كنت مطربة (مغنية)، وبعد متابعتي للبرامج الدينية -وبرنامجكم خاصة يا فضيلة الدكتور- تبتُ إلى الله تعالى، والآن أرى في منامي أحلامًا مزعجة جدًّا (كوابيس)، وأقوم من النوم فزعة مرعوبة من هول ما أرى، وربما لا أستطيع النوم بعد ذلك لبشاعة ما رأيت، ثم إنني أجد ضيقًا في التنفس، وإصابات بجسدي، ورغم كبر سني إلا أنني لم أتزوج حتى الآن، وأجد عدم النوم وعدم الراحة، وكل هذا حدث لي بعد توبتي إلى الله! فعندما كنت في الغناء لم يكن شيء من هذا يحدث لي!

 

فهل هذا بلاء وعليَّ أن أصبر، أم خطأ حدث مني بعد توبتي، دلني على الخير يا والدي الكريم.

فجاء الرد كما يلى:

ابنتى الحبيبة :أسأل الله أن يتم عليك نعمة المداومة على طاعته والبعد عن أهل المعصية`

فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إن الشيطان قعد لابن آدم في طرقه -أي: قعد له في طريق الإسلام-، قال: تسلم وتدع دينك ودين آبائك، فعصاه وأسلم، ثم قعد له في طريق الهجرة فقال: تهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول -أي: في الحبل، وذلك إذا حُبس الفرس في الحظيرة ووضع في عنقه حبل لا يتحرك تحركًا كثيرًا-، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول فعصاه وهاجر، ثم قعد له في طريق الجهاد، فقال: تجاهد، وإنما هو جُهد المال والنفس فتقاتل فتقتل؛ فتنكح المرأة، ويُقسم المال فعصاه وجاهد"... ثم قال عليه الصلاة والسلام: "فمَن فعل ذلك كان حقًّا على الله عز وجل أن يدخله الجنة، وإن مات غريقًا كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، وإن مات وقد وقصته دابته كان حقًّا على الله عز وجل أن يدخله الجنة"([1]).

وإذا يئس الشيطان من إيقاع ابن آدم في الشر وفي الذنب أتاه عن طريق العبادة، ومن هنا تتنوع أساليبه في الوسوسة؛ فيأتي الشيطان ويقول: إذًا لماذا تصلي؟ ولماذا تصوم؟ ولماذا تتعبد الله عز وجل وأنت من الكفار في نار جهنم؟! لأن هذه الوساوس وساوس عقيدة، فيوسوس إليه الشيطان بهذه الطريقة حتى يبعده عن دينه، ولا يدري هذا المسكين أن هذا علامة الإيمان؛ لأن الشيطان لا يفعل شيئًا بالبيت الخرب، أما القلب الحي اليقظ الذي ذكر الله عز وجل فيأتيه الشيطان يوسوس له، ولا يسلم من ذلك أحد.

لكن إذا قطع الإنسان عليه الطريق وسد عليه الأبواب نجا بإذن الله عز وجل؛ ولذا في صحيح مسلم: لما أتى بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله، إنا نجد في صدورنا ما يتعاظم أحدنا أن يذكره. أي: شيء خطير لو ذكرناه لتعاظمناه، فقال عليه الصلاة والسلام: "أوجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان"([2]). يعني: علامة الإيمان.

فكونكم تبتعدون عن النطق به هذا يدل على أنكم لا تعتقدونه من باب أولى، فهذا يدل على كمال إيمانكم؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما في صحيح مسلم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا الخلق خلقه الله، فمن خلق الله؟" فقال عليه الصلاة والسلام: "فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله"([3]).

ولذا فالشيطان لا يدع ابن آدم في سعادة وراحة، يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: "إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شىء من شأنه، حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها، ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدرى في أى طعامه تكون البركة"([4]). أي: في كل أمر، وفي الصحيحين: لما أتت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان وهو معتكف فتحدث معها ساعة، فلما أرادت أن تنقلب (أي تذهب) أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقلبها (يعني: أن يذهب معها حتى يطمئن عليها)، فلما وقف عند باب المسجد إذا برجلين من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام لكي ينفي التهمة: "على رِسْلكما، إنها صفية". يعني: إنها زوجتي. فكَبُر عليهما أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شرًّا، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم"([5]).

فالشيطان يتوعد العبد أنه لن يتركه سيأتيه من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، بحسب ما يقدر أنه يسلب منه أي شيء، فإذا استطاع أن يوقعه في الكفر يوقعه، وإذا لم يقدر على ذلك يشككه في دينه، وإذا لم يقدر على ذلك يتعبه في صلاته، فيمل العبد من العبادة حتى يتركها، وإذا لم يستطع يوسوس له حتى يسلب منه شيء فيجعله يتلفت في صلاته، فتقل حسناته.

فالشيطان لن يترك المؤمن حتى يسلب منه شيئًا؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة: "إنه اختلاس يختلسه الشيطان"([6]). يعني: يسرق منك شيئًا؛ فينقص ثوابك فتكون صلاتك غير كاملة، وتكون عبادتك ناقصة.

فعلى العبد أن ينتبه لذلك، ويعلم أن الشيطان له بالمرصاد، فلا يسرح مع الوسوسة، وليعلم كيد الشيطان إذ يلقي في قلبه شيئًا من الشك يظل يتمادى في هذا الشيء حتى يُذهب الشيطان عقله.

فإذا كان الشيطان يوقعك في بعض المعاصي، ويوسوس لك فهذه بعض الأذكار من السُّنة يعتصم بها الإنسان من الشياطين، ومنها:

أولًا: الاستعاذة بالله من الجن، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36].

ثانيًا: قراءة المعوذتين، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان، وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما، وترك ما سواهما"([7]).

ثالثًا: قراءة آية الكرسي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال عن إبليس: أمرني أن أقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشي، زعم أنه لا يقربني حتى أصبح، ولا يزال على من الله تعالى حافظ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، ذاك الشيطان"([8]).

رابعًا: قراءة سورة البقرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"([9]).

خامسًا: قول: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك"([10]).

ولا تلتفتى إلى المعوقات التى قد تؤخرك عن اللحاق بركب الصالحين.

 

 

[1] أخرجه النسائي: 3134، وقال الألباني: صحيح.

[2] أخرجه مسلم: 132.

[3] متفق عليه: أخرجه البخاري: 7296، ومسلم: 134.

[4] أخرجه مسلم: 2033.

[5] متفق عليه: أخرجه البخاري: 2035، ومسلم: 2175.

[6] أخرجه البخاري: 751.

[7] أخرجه الترمذي: 2058، وقال الألباني: صحيح.

[8] أخرجه البخاري: 2311.

[9] أخرجه مسلم: 780.

[10] متفق عليه: أخرجه البخاري: 3293، ومسلم: 2691.